فرانشيسكا ألبانيز.. صوت فلسطين الحقوقي الذي فشلت إسرائيل في إسكاته
فرانشيسكا ألبانيز.. صوت فلسطين الحقوقي الذي فشلت إسرائيل في إسكاته
سمِعت للمرة الأولى عن محنة الشعب الفلسطيني عندما شاهدت في طفولتها صوراً نقلتها فضائيات العالم لعمليات القتل الوحشي ضد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، لكنها لم تكن تعلم أنه وبعد عقود ستصبح هي الصوت الأكثر قوة وحضوراً في الدفاع عن الفلسطينيين في قاعات هيئات الأمم المتحدة وفي ظل جرائم تفوق في فظاعتها صبرا وشاتيلا آلاف المرات.
ففي دورته الـ49 في مارس 2022، عيّن مجلس حقوق الإنسان الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز، كمقررة خاصة معنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 في اختيار حمل منذ اليوم الأول انطباعاً رئيسياً أنها "صوت مختلف"، جاءت لهذا الموقع لتواجه إسرائيل والعالم بمأساة الفلسطينيين.
وبعد عام واحد من وصولها إلى منصبها جاءت الحرب الأعنف على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر، لتجد فرانشيسكا أن المسؤوليات قد تضاعفت ولا يجب أن تتوقف ولا لصوتها أن يهدأ قبل أن تتوقف آلة القتل الإسرائيلية التي لا تعرف حداً في قطاع غزة ومناطق الضفة.
وفي الأيام الأولى من الحرب على قطاع غزة، وصفت فرانشيسكا العدوان على غزة بأنه "كارثة سياسية وإنسانية ذات أبعاد أسطورية".
وأخذت على عاتقها أن يعلم العالم حجم المأساة فقررت إسرائيل أن تواجهها فحظرت دخولها إليها للقيام بمهامها الأممية لترد هي أنه "رمزي ومضلل" وبمثابة "صرف للانتباه عن الفظائع التي ترتكب في غزة".
ولم تتماشَ معها موجة التصريحات التقليدية التي يستخدمها السياسيون، فلم تكن نبرتها إلا قوية دوماً تقابل التصريحات العنيفة للمسؤولين والوزراء المتطرفين في إسرائيل بتصريحات أعنف، فواجهت حملات قوية وممنهجة من جماعات الضغط التابعة لإسرائيلية وكانت هدفاً دوماً للأداة الإعلامية المتطرفة في إسرائيل.
واستخدمت إسرائيل كل أسلحتها لمواجهة المقررة؛ فاستخدمت مشرعين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في الهجوم عليها والضغط على الأمم المتحدة، ولم يردد هؤلاء إلا اتهامات واحدة بمعادة السامية وكراهية إسرائيل.
ولم تفلح معها تلك الاتهامات فواجهتها بالسخرية قائلة إن "الخلط بين الانتقادات الموجهة لإسرائيل أو الصهيونية (كأيديولوجية سياسية) وبين معاداة السامية أمر مثير للسخرية وخطير ويحوّل الخطاب السياسي المشروع إلى خطاب محظور".
وكان لها الدور البارز في اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية حيث نشرت تقريراً يفيد بأن هناك أسساً معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في قطاع غزة وعلى منصة المتحدث في الأمم المتحدة أعلنت "أتلقى تهديدات بالفعل".
وبلغت الضغوط الإسرائيلية ذروتها في الأشهر الأخيرة كمحاولة لعرقلة التجديد لها في منصبها، إلا أن مجلس حقوق الإنسان قرر التجديد لها وقوبل ذلك بمعارضة قوية من واشنطن.
ولدت فرانشيسكا ألبانيز عام 1977 في مدينة أريانو إيربينو جنوبي إيطاليا، ونشأت في أسرة متداخلة في الشؤون السياسية والحقوقية وحصلت على شهادة في القانون مع مرتبة الشرف من جامعة بيزا وماجستير في القانون في حقوق الإنسان من جامعة SOAS في لندن.
عملت فرانشيسكا لمدة عشر سنوات مع الأمم المتحدة (2003- 2013)، بما في ذلك إدارة الشؤون القانونية في الأونروا، والتي تتعامل في المقام الأول مع تنفيذ نهج حقوق الإنسان من خلال عمل الوكالة لدعم وظيفة الحماية؛ وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب.
عملت في مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (ومقرها جنيف) مع حقيبة تغطي المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثم منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ركّز عملها على تعزيز استقلالية وفعالية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بما في ذلك في مجال منع التعذيب.
وشاركت فرانشيسكا كمستشارة لمشروع الاهتمام الدولي في واشنطن وتخصصت بقضايا الحماية أثناء تفشي فيروس إيبولا في عام 2014 في غرب إفريقيا، وألقت محاضرات حول "قضية اللاجئين الفلسطينيين في السياق" في عدد من الجامعات ومراكز الأبحاث.
وتعتبر أول امرأة يتم تعيينها كمقررة خاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة في 18 أكتوبر 2022، أوصت ألبانيز في تقريرها الأول الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بوضع "خطة لإنهاء الاحتلال الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري".
وفي يوليو 2023، وخلال الاجتماع الثلاثين للدورة العادية الثالثة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قدّمت ألبانيز تقريراً يتهم فيه إسرائيل بتحويل الضفة الغربية إلى سجن مفتوح.
وحصلت في أبريل 2023، على جائزة ستيفانو كياريني الدولية تقديراً للعمل الصحفي الذي يغطي فلسطين والشرق الأوسط، كما تم اختيارها كشخصية العام للأمم المتحدة من Passblue لعام 2024.
وفي 12 فبراير 2025، حصلت ألبانيز على جائزة "دريس فان أغت" من منتدى الحقوق، الذي يكرم الأفراد والمنظمات التي تلتزم بقوة بحقوق الإنسان والقانون الدولي في فلسطين.